مفهوم جرائم الصحافة وانواعها.
المبحث الأول: مفهوم جرائم الصحافة وشروط وقوعها.
المطلب الأول: التعريف بجرائم الصحافة
الفقرة الأولى: تعريف جرائم الصحافة.
الفقرة الثانية : طبيعة جرائم الصحافة.
مفهوم جرائم الصحافة وانواعها.
من خلال هدا الفصل سنتناول الحديث عن مفهوم جرائم الصحافة وشروط وقوعها، وذلك من خلال (المبحث الأول) وفي (المبحث الثاني) سنتطرق الى أنواع جرائم الصحافة وجزاءاها
المبحث الأول: مفهوم جرائم الصحافة وشروط وقوعها.
سأتحدث في هذا المبحث عن مفهوم جرائم الصحافة وشروط وقوعها ودلك من خلال مطلبين (المطلب الأول) التعريف بجرائم الصحافة وفي (المطلب الثاني) سأتحدث عن شروط وقوعها.
تعد جرائم الصحافة من جرائم الراي والتعبير، أي من الجرائم التي يعاقب عليها القانون بسبب التعبير عن أفكار او اراء او اخبار او معلومات او مشاعر و احاسيس . ويتطلب القانون في هذه الجرائم كقاعدة عامة حصول هذا التعبير في احدى صورة العلانية ، مقدرا ان هذه الكيفية في التعبير عن تلك الأفكار هي التي تكتسبها خطورة تدعو الى توقيع العقاب بحق مرتكبها . ويعد التشريع الفرنسي من أولى التشريعات التي نظمت جرائم الصحافة ، وذلك بموجب قانون الصحافة الصادر سنة 1881 النافذ فقد جاء هذا القانون شاملا لمعظم جرائم الصحافة ، فيما عدا بعض الجرائم التي ورد النص عليها في قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1992 النافذة في العام 1994 كجريم تحريض العسكريين على العصيان بأية وسيلة .
وبغية التعريف بالجريمة الصحفية ، يستوجب ذلك منا البحث في تعريف الجريمة الصحفية وبيان الوسائل التي ترتكب من خلالها ، واثر الوسائل في التجريم . ولذلك سيتم تقسيم هذا المبحث الى مطلبين ، اذ نتطرق في الأول لتعريف الجرائم الصحفية ، ونكرس الثاني لبحث ووسائل ارتكاب الجريمة الصحفية واثرها في التجريم .
المطلب الأول: التعريف بجرائم الصحافة
أحاط المشرع الجرائم الصحفية ببعض القواعد الخاصة ،من الناحيتين الموضوعية أو الاجرائية .فمن الناحية الموضوعية ،نجد ان المشرع قد استلزم في الجرائم الصحفية ،ركنا لم يتطلب في غيرها من الجرائم ،ألا وهو ركن (العلانية)كقاعدة عانة، وبصورة اكثر دقة تطلب ان يتحقق النشاط أو السلوك المجرم في الجرائم الصحفية ،ركن العلانية من خلال النشر أو الإذاعة بإحدى وسائل الصحافة أو الأعلام هذا من جانب ،ومن جانب آخر تجد ان المشرع قد نظم المسؤولية الجزائية للصحفي وفقا لقواعد خاصة منصوص عليها في قانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر كما رتب على ارتكاب جرائم النشر بعض العقوبات التي تناسب مع طبيعة الوسيلة التي ارتكبت بها الجريمة ،مثل نشر الحكم أو تعطيل الصحيفة.
أما من الناحية الاجرائية فقد أصبح الاختصاص بالجرائم الصحفية منوطا بمحكمة متخصصة هي محكمة (جنح الصحافة والإعلام ) ،التي شكلت حديثا في محكمة الاستئناف الكرخ الاتحادية على مستوى التنظيم بغرض الفصل في جرائم الصحافة والاعلام.
ولذلك نجد من المهم لغرض التعريف بالجرائم الصحافية بيان مدلول هذه الجرائم من خلال تعريفها والتطرق لبحث الطبيعة القانونية. وتأسيسا على ما تقدم سنقسم هذا المطلب الى فقرتين نخصص الفقرة الاولى تعريف جرائم الصحافة. ونكرس الفقرة الثانية لطبيعة جرائم الصحافة
الفقرة الأولى: تعريف جرائم الصحافة.
تعرف الجريمة بانها (فعل غير مشروع صادر عن إرادة اثمة يقرر له القانون عقوبة او تدبيرا احترازيا ) وبما ان التشريعات المختلفة قد تجنبت بصفة عامة اصطلاح جرائم الصحافة او الجرائم الصحفية .و قد اثرت على استعمال تعبير (الجنايات والجنح التي تقع بواسطة الصحف او غيرها من طرق النشر ) كما فعل المشرع الفرنسي في قانون الصحافة النافذ ، او استعمال تعبير ( الجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها من وسائل النشر ) كم فعل المشرع المصري في الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات المصري . ويمكن القول ابتداء بان الخلاف قد وقع في الفقه الفرنسي والمصري بصدد تعريف الجريمة الصحفية و تحديد طبيعتها . فقد ذهب البعض الى القول بان الجريمة لا تكون من جرائم النشر وبالتالي من جرائم الصحافة ما لم تقع من خلال المطبوعات الدورية . فاذا كانت قد وقعت بطريقة اخر كالإذاعة اللاسلكية او التلفزة او الأشرطة السيمائية فلا تعد من جرائم الصحافة وفى تقديرنا بان الراي المتقدم وان كان ينسجم مع ما كان سائدا من كون الكتابة في الصحف تمثل الوسيلة الاقدام والأكثر شيوعا في وسائل التعبير عن الراي في الوقت الذي قيل فيه .ولم تكن قد ظهرت بعد الوسائل الحديثة للاتصالات والاعلام بين الناس ،اذ أصبحت وسائل الاعلام المرئية والمسموعة هي السائدة ، وقد تراجعت الصحافة المكتوبة لتظهر بجانبها الصحافة الالكترونية بظهور وانتشار استخدام الشبكة المعلوماتية الدولية كما ان الراي يخالف المنهج التشريعي للقانون الفرنسي والمصري ، وكذلك عندما تحدث التشريع المغربي عن جرائم النشر والعلانية ذاكرا الجرائم التي تقع بواسطة الصحف ووسائل الاتصالات والاعلام الأخرى من ضمنها . ولذلك فان الراي الاخر الأكثر قبولا ، هو الذي يعرف الجريمة الصحفية ،بانها السلوك المجرم الذي يعبر عن فكر او راي معين والواقع من خلال الصحافة المسمومة او المرئية او المكتوبة او تلك التي تقع من خلال وسائل الاتصال الأخرى كما في العرض السينمائي او الصحافة الالكترونية . ووفقا للراي الراجع لدينا وهو الراي الثاني فان الجرائم التي ترتكب بواسطة الصحف ليست جميعا من جرائم الراي او الجرائم الصحفية التي احاطها المشرع بأحكام خاصة . فارتكاب جرائم مثل النصب او الاحتيال او الابتزاز او التهديد عن طريق الصحف لا يجعل هذه الجرائم من قبيل جرائم الصحافة طالما كانت هذه الجرائم لا تتضمن تعبيرا عن الراي او الفكر من جانب كما ان العلانية المطلوبة في جرائم الصحافة كركن أساس ليس مطلوبة في تلك الجرائم من جانب احر ، لذلك سواء حصلت بغير طرق العلانية او من خلالها فالإمر سيان وخلاصة القول بانه تخرج عن معنى جرائم الصحافة كل جريمة ليس فيها اعلان بالنشر في الصحف او المجلات عن أفكار او نحوها معاقب على نشرها مثال ذلك جريمة قبول تبرعات او اعانات او خاصة من جهات اجنبية بطريقة مباشرة او غير مباشرة المنصوص عليها في المادة 7 من قانون تنظيم الصحافة المصري
الفقرة الثانية : طبيعة جرائم الصحافة.
انقسم الفقه الجنائي بصدد تحديد طبيعة الجرائم الصحفية إلى اتجاهين، ذهب الرأي الأول الى القول بإن الجريمة الصحفية لها ذاتية مستقلة وطبيعة خاصة تجعلها خارج نطاق جرائم القانون العام، ويستند هذا الرأي إلى الحجج الثانية:
أولا : إن هذه الجريمة تقع بفعل غير مادي ،اي بسلوك مجرم يترتب عليه ضرر غير مادي.(معنوي) يصعب إثباته وقياسه ،أو تحديد مقداره ،و ذلك بخلاف جرائم القانون العام ألتي تقع عادة بأفعال مادية ،ويترتب عليها آثار مادية ،يسهل إثباتها وتحديد مقادرها.
ثانيا :إن جوهر الجريمة الصحفية يتمثل في الاعلان عن فكرة أو رأي ،أي إن المشرع يجرم بصفة خاصة الفكرة او الاعلان عليها .أما بالنسبة لجرائم القانون العام نجد أن المشرع يهتم بالفعل المادي المرتكب دون التطرق لبحث الأفكار السابقة التي دفعت لارتكاب الجريمة ،كما أنه لا يهتم كون الجريمة قد وقعت في العلن أو الخفاء .
ثالثا: إن التشريعات والقوانين العقابية المقارنة ،قد احاطت المسؤولية الجزائية المترتبة عن الجريمة الصحفي بمجموعة من الأحكام خاصة سواء من حيث القواعد الموضوعية او الاجرائية التي تنطبق عليها .مما يؤكد بأن نظرية المشرع إلى تلك الجرائم بأن لها ذاتية مستقلة او طبيعة خاصة تفصلها عن جرائم القانون العام.
وقد استند رأيهم هذا إلى الحجج التالية:
اولا: إن الجريمة الصحفية وإن كانت ترتكب بوسيلة خاصة وهي النشر ،إلا ان هذه الوسيلة لا تغير من طبيعتها وتجعلها جريمة ذات كيان خاص تختلف عن جرائم القانون العام .إذ تقوم جرائم مقل القذف والسب والإهانة والتحريض عن العناصر ذاتها سواء ارتكبت عن طريق الصحافة أو بطريقة اخرى.
ثانيا :إن التشريعات المختلفة قد درجت إلى عدم استخدام مصطلح جرائم الصحافة أو الجرائم الصحفية ،وإنما تستعمل بدلا عن ذلك تعابير ومصطلحات أخرى بوصفها للجرائم المرتكبة من خلال وسائل الصحافة والإعلام وغير ذلك من وسائل النشر يترتب على ارتكاب السلوك الإجرامي من خلال إحداها تحقق العلانية في الجرائم التي تتطلب تحقق ركن العلانية .وهذه التعبيرات تدلل على إن جوهر الجريمة الصحفية ،لا يختلف غيرها من الجرائم.
●راينا في الموضوع:
بعد استعراض الاتجاهين السابقين نرجح الثاني ،كونه الاقرب للمنطق القانوني السليم .ذلك أن الوسيلة المستعملة في ارتكاب الجريمة لا تغير من طبيعة الجريمة ،فجريمة القذف هي ذاتها أيا كانت الوسيلة التي تستعمل في تحقيق العلانية المطلوبة لقيامها كجريمة ،بالرغم من أنه ينبغي التسليم بأن الوسيلة قد يكون لها اثرا اكثر ثقلا وأشد وطأة من حيث الضرر المترتب عليها ،إذا ما كانت الصحافة بمفهومها الواسع هي الوسيلة التي ارتكبت من خلالها الجريمة .ويمكن القول بأن اثر المترتب على استخدام النشر عن طريق الصحافة والأعلام كوسيلة الارتكاب الجرائم التي تتطلب العلانية وان كان لا يغير من طبيعة الجريمة ،ويجعل لها ذاتية مستقلة عن جرائم القانون العام .إلا إن ذلك التمييز لا يخلو من فائدة خاصة إذا ما أدركنا بأن الأثر المترتب على عد الجريمة من الجرائم الصحفية يتمثل في مجموعة من القواعد الموضوعية و الاجرائية التي رتبها المشرع لمصلحة الشخص الذي ثبتت له الصفة الصحفية وبمناسبة ارتكابه جريمة من الجرائم الصحفية